هل تعلم كم مرة تحتاج إلى زيارة طبيب الأسنان؟
هل يشكل الذهاب لطبيب الأسنان كل ستة أشهر أمرا ضروريا بالفعل للحفاظ على صحة الفم؟ هذا ما تحاول الصحفية كلوديا هاموند تقصي حقيقته.
يحسب الكثيرون منّا أنه يتعين علينا التوجه إلى طبيب الأسنان مرة كل ستة شهور على الأقل، حتى وإن كانوا لا يطبقون ذلك على أنفسهم بالفعل.
لكن على الرغم من ذلك؛ ليس هناك اتفاق على أن ذلك الاعتقاد بإجراء مثل هذه الفحوص النصف سنوية أمر ضروري حقا، ولا يزال الأمر برمته محل نظر.
في الواقع، ليس من الواضح إلى أي حقبة زمنية يعود هذا الاعتقاد، ويرى البعض أنه يعود إلى القرن الثامن عشر، أي قبل وقت طويل من ظهور ما يُعرف بالتجارب العلمية العشوائية الضابطة، التي يمكن أن تؤكد أو تنفي أهمية إجراء فحوص طبية على الأسنان، وفقا لهذا المعدل الزمني.
من البديهي الإشارة هنا إلى أن من يعانون من مشكلات صحية عديدة في أسنانهم يحتاجون لإجراء فحوص لدى الطبيب أكثر من غيرهم، ولكن ماذا عن الآخرين؟
تشير المعطيات إلى أن الأسنان الدائمة تكون أكثر عرضة للتسوس في المرحلة التالية مباشرة لظهورها في الفم. ولذا فإن ثمة حاجة لإجراء فحوص دورية على الأطفال بمجرد ظهور هذه الأسنان الدائمة لديهم في الفترة ما بين السادسة والثامنة من العمر.
أما في فترة المراهقة، فتكون الأسنان أقل عرضة للمخاطر، وذلك إلى حين ظهور ما يُعرف بضرس العقل في العشرينات من العمر، وهو ما يعني أن المشكلات والمخاطر التي تواجه الأسنان تتباين باختلاف المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان.
في عام 2000، أظهرت دراسة أجريت في نيويورك أن ثلاثة أرباع أطباء الأسنان الذين استطلعت آراؤهم يوصون بإجراء فحوص طبية على الفم كل ستة أشهر.
نفتقر إلى أدلة
وذلك على الرغم من عدم وجود أي دراسات تُعنى ببحث ما إذا كانت الوتيرة الزمنية، التي يتم من خلالها إجراء الفحوص؛ تُحدث فارقا بالنسبة للمرضى، الذين تقل مخاطر إصابتهم بتسوس الأسنان أو أمراض اللثة.
وفي الوقت الراهن، لا تزال العديد من المؤسسات الطبية، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب أسنان الأطفال، توصي بإجراء فحوص طبية على الفم كل ستة أشهر.
لكن على مدى عقود، يرى البعض أن اعتبار فترة الأشهر الستة هذه فترة مثالية للفحص الدوري للأسنان ليس إلا أمرا عشوائيا إلى حد ما.
وفي هذا السياق، أعد أوبري شيهام، أستاذ صحة الأسنان العامة في جامعة لندن كوليدج، ورقة بحثية في عام 1977 نُشرت في دورية (لانسيت) الطبية، وأعرب فيها عن أسفه البالغ للافتقار إلى الأدلة التي تُعضد الطرح الخاص بضرورة فحص الأسنان على نحو نصف سنوي.
والآن وبعد مرور نحو 40 عاما على ذلك، لا يزال شيهام يتبنى ذلك الطرح نفسه.
وفي عام 2003، أجريت مراجعة منهجية للدراسات التي تمت حول هذا الموضوع، و جاءت نتائج المراجعة متباينة.
فبعض الدراسات خلصت إلى أن التردد على طبيب الأسنان بشكل دوري من عدمه، لا يؤثر على عدد الأسنان التي تُصاب بالتسوس، أو تلك التي يتم حشوها، أو التي يضطر المرء إلى خلعها.
بينما أشارت دراسات أخرى إلى أن عدد الأسنان التي يضطر المرء إلى حشوها يقل كلما زادت مرات إجرائه فحوصا طبية على الفم.
أما فيما يتعلق بحالة اللثة، فقد أفادت غالبية الأبحاث بأن وتيرة التردد على طبيب الأسنان، لا تُحدث فارقا فيما يتعلق بكمية النزيف الذي قد يحدث في اللثة، أو حدة الالتهابات التي يمكن أن تُصاب بها، أو الطبقة الجيرية التي تتكون على الأسنان، وذلك كله إذا ما كنا بصدد الحديث عن الأسنان الدائمة، وليست اللبنية.
مخاطر
أكثر من ذلك، خلصت إحدى الدراسات إلى أن حجم الأورام التي تصيب المرضى بسرطان الفم لا يتأثر بذهابهم إلى طبيب الأسنان أكثر من مرة في العام من عدمه.
بينما أفادت دراسة أخرى بأنه إذا لم يُجرِ فحص طبي للأسنان لمدة تزيد عن العام، فإن ذلك يؤدي إلى تفاقم خطورة أي أورام سرطانية قد يُصاب بها الإنسان في الفم، ووصولها إلى مراحل أكثر تطورا.
وفي العام الماضي، أجرت منظمة “كوتشران كولبوراشين”، وهي مؤسسة غير ربحية تجري دراسات في مجال الصحة العامة، مراجعة منهجية لدراسات مماثلة لتلك التي أجريت عام 2003.
لكن النتائج التي خلصت إليها عملية المراجعة أصابت القائمين عليها بخيبة أمل. فببساطة شديدة؛ تبين أن الأبحاث التي جرت في هذا الموضوع كانت محدودة جدا كماً وكيفا،ً بما لا يجعلها كافية لتعزيز تلك الفكرة السائدة، أو دحضها.
فلم يجد الباحثون سوى دراسة واحدة ضابطة، جرى خلالها توزيع المرضى بشكل عشوائي على فريقين؛ أحدهما يجري فحصا سنويا على أسنانه، والآخر يجري الفحص نفسه كل سنتين.
وأشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن الحالة الصحية لأسنان أعضاء الفريق الأول كانت أفضل. ولكن ثمة إمكانية هنا لأن يكون علم أعضاء الفريق الطبي المعالج بهوية من يندرجون ضمن كلِ من الفريقين، قد أثر على العلاج الذي مُنح إلى هؤلاء وأولئك، مما أدى إلى أن تخرج النتائج على نحو متحيز.
ليس ذلك فحسب، بل يتعين علينا وضع أمر آخر في الحسبان، فحتى إذا ما وجدنا دراسة قد خلصت – على سبيل المثال – إلى وجود علاقة عكسية بين عدد مرات تردد الأطفال على طبيب الأسنان، وعدد الأسنان التي يضطرون إلى حشوها، فهناك إمكانية لوجود عوامل أخرى تساعد على ذلك بخلاف تكرار الفحص الطبي.
فربما يكون لدى هؤلاء الأطفال مميزات أخرى، من قبيل إمكانية تمتعهم بمستوى اقتصادي واجتماعي مرتفع، أو تناولهم أطعمةً صحيةً بشكل أكبر من أقرانهم، بجانب أنه قد يكون لديهم الفرصة للعناية بأسنانهم بشكل أفضل، من خلال توافر أدوات عناية ذات جودة أكبر في منازلهم تمكنهم من ذلك.
من جهة أخرى، يمكن القول إن ثمة غرضا أو منفعة ثانوية تنجم عن زيارة طبيب الأسنان؛ فحتى إذا لم يكتشف الطبيب أي مشكلات في فم مريضه، فإن الزيارة في حد ذاتها يمكن أن تُشكل على الأرجح تَذكرةً للمريض لكي يواصل العناية بأسنانه وتنظيفها على نحو مناسب.
وذلك على الرغم من أنه حتى في هذه النقطة، لا يوجد إجماع على الطريقة الأمثل للقيام بذلك.
لا توجد قاعدة
والآن يبقى السؤال: ما هي المدة الزمنية الملائمة التي يتعين علينا اتباعها فيما يتعلق بالتردد على طبيب الأسنان؟
يرى المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة، المعروف اختصارا باسم (نايس) والذي يقدم المشورة لخدمات الرعاية الصحية الوطنية في انجلترا وويلز، أن عدد مرات التردد على طبيب الأسنان أمر يرتبط بكل فرد على حدة.
ويوصي المعهد بأن يُجري الأطفال فحصا على أسنانهم مرة على الأقل سنويا؛ نظرا لأن هذه الأسنان معرضة للتسوس بشكل أسرع.
أما البالغون الذين لا يعانون من مشكلات في الفم والأسنان، فيرى المعهد أن بوسعهم إجراء فحص للأسنان على مدد زمنية أطول قد تصل إلى عامين.
بل إن الباحثين في المعهد يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك، ويقولون إن الفترة التي تفصل ما بين عمليات فحص الأسنان قد تزيد لأكثر من عامين بالنسبة لمن يبدون التزاما واهتماما بالعناية بالأسنان واللثة.
نصيحة مثل هذه لم تقتصر على بريطانيا وحدها. ففي فنلندا، خلصت مجموعة بحثية أجرت دراسة مماثلة عام 2001 إلى توصيات مفادها أن الصبية في الشريحة العمرية الأقل من 18 عاما ممن تقل لديهم المخاطر التي تصيب أسنانهم، قد يكون بوسعهم زيارة طبيب الأسنان كل فترة تتراوح ما بين 18 شهرا إلى عامين.
ولكن كيف ستؤثر كل هذه النتائج على تفكيرنا وقرارنا حين نتلقى إشعارا أو بطاقة تُذكرنّا بأن موعدنا التالي لإجراء فحوص طبية على الأسنان قد اقترب؟
بطبيعة الحال، الكثير منّا يرغب في التماس أي أعذار لتقليل مرات تردده على طبيب الأسنان. والخبر الجيد هنا، أن بوسع من لا يعانون من مشكلات تتعلق بصحة الفم، إطالة الأمد بين مرات ترددهم على الطبيب لمدة تزيد على الأشهر الستة، التي يقال عادة إنها الفترة المثالية للفصل بين هذه الزيارات.
أما مسألة التحديد الدقيق للفترة التي يتعين أن تفصل بين الزيارات التي يقوم بها كل منّا لطبيب الأسنان، فهي مسألة مرتبطة بالتقييم الذي يجريه الطبيب ومريضه لطبيعة المخاطر التي يمكن أن تواجهه فيما يتعلق بصحة الفم واللثة.
تعقيب من موقعك.